الأوقافعاجل

خالد بدير : أول من نادى بالعنصرية هو إبليس عليه لعنة الله

قال الدكتور خالد بدير، من الأمور التي نهي عنها الإسلام (العنصرية)؛ والعنصريَّة معناها التَّفْرقةُ والتمييزُ في المعاملة بين الناس على أساس من الجنس، أو اللَّون، أو اللغة، أو الدِّين، أو المستوى الاجتماعي والطَّبَقي، وهذه العنصريَّة متجذِّرة في البشرية منذ القِدم.

و أول من نادى بالعنصرية هو إبليس عليه لعنة الله تعالى حيث قال حينما أمر بالسجود لآدم: { أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } (ص:76). ولم يبتعِدِ العربُ قبل الإسلام عن هذه النعرة، بل كانت القبليَّة سائدةً، والتقسيم الطبقي حاضرًا؛ فهذا من الأَوْسِ، وذاك من الخَزْرَجِ، وهذا من السادة، وذاك من العبيد، وكانت الحروبُ والنَّزاعات تقوم بينهم لعشرات السنين لا تحطُّ أوزارَها لأسباب تافهةٍ، وعلَتْ أصواتُ الفخر لهذه العصبيَّة حتى قال قائلهم – وهو عمرو بن كلثوم في معلَّقته -:

إذا بَلَغ الرَّضِيعُ لنا فِطامًا………….. تخرُّ له الجَبابرُ ساجدِينا

ولما فتح رسول الله مكة وصعد بلال على ظهر الكعبة يؤذن قال أحد المشركين: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم الذي علا فيه عبدٌ حبشيٌ أسودٌ على ظهر الكعبة! أيّة نفسية حقيرة هذه التي تخفي في داخلها مثل هذا التصور المذموم وهذه الخسيسة الحقيرة التي نبذها الإسلام؟!! فعَنْ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:” إِنَّ أَنْسَابَكُمْ هَذِهِ لَيْسَتْ بِسِبَابٍ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ بنوا آدَمَ طَفُّ الصَّاعِ أَنْ تَمْلَؤُوهُ، لَيْسَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلا بِدِينٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ، حَسْبُ امْرِئٍ أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا بَذِيئًا بَخِيلا حَلافًا “. ( أحمد والبيهقي والطبراني بسند حسن).

وأكد الدكتور خالد بدير علي أن الإسلام جاء ليقضي على كل هذه الفوارق والطبقات وجعل الناس كلهم سواسية؛ فقد كان كبار الصحابةِ مَن لا ينتمي إلى العرب أصلًا، فهذا سلمان (الفارسي)، وصهيب (الرومي)، وبلال (الحبشي) ؛ فالإيمان أزال وأذاب الفوارقَ التي تقومُ على أساسٍ من الجنس أو العِرق أو اللون؛ وجعل التقوى معياراً للتفاضل بين الناس مهما كان الحسب والنسب .

وأضاف، إن دينُنا الإسلامي الحنيفُ حارب العنصريَّة والطبقيَّة :

بشتَّى أنواعها وأشكالها منذ بُعِث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أعلنَها القرآن الكريم صريحةً مدوِّية أن التفاضل بين البشر لا يكون إلا بميزان التقوى فحسب؛ قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13]، والاختلاف في طبيعة الجنس البشري، وتعدد صوره وأشكاله:

جعله الله آيةً من آياته في هذا الكون؛ قال سبحانه: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ } [الروم: 22]، وأكَّد الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى في أقواله الشريفة، فعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ؛ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ؛ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ.”. (أبوداود )؛ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

” لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا ؛ إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ ؛ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ؛ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ ؛ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ ؛ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ”.( أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه ).

وتابع خالد بدير، وضع النبي صلى الله عليه وسلم العنصرية تحت قدميه في خطبة الوداع:

فعَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: ” ألا وإنَّ كل شيء مِن أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدميَّ هاتَين ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ ، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ”. ( أحمد والطبراني والبيهقي وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح).

فالعنصرية من عادات الجاهلية الممقوتة التي تؤدي إلى تفرق الأمة وتمزيق وحدتها ؛ فقد روي أن أَبَا ذَرٍّ سَابَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ؛ فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ؛ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ؛ إِخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ؛ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ؛ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ؛ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ”. (متفق عليه).

فأبو ذر عير بلالاً الحبشي بأمه؛ وأنه ابن السوداء؛ كما نعلم سواد بشرة أهل الحبشة ومعظم أهل دول أفريقيا الوسطى والجنوبية؛ لذلك عاتبه صلى الله عليه وسلم على ذلك وبين أن ذلك من عادات الجاهلية الممقوتة المنتنة .

أضاف أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صور العنصرية بالشيء العفن النتن:

فعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:” كنا في غَزاةٍ فكسَع رجلٌ من المهاجرينَ رجلًا من الأنصارِ، فقال الأنصارِيُّ : يا لَلأنصارِ، وقال المهاجرِيُّ : يا للمهاجرينَ، فسمِع ذاك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : ” ما بالُ دَعوى جاهليةٍ “. قالوا : يا رسولَ اللهِ، كسَع رجلٌ من المهاجرينَ رجلًا من الأنصارِ، فقال : دَعوها فإنها مُنتِنَةٌ  . ” ( متفق عليه ).

 فانظر كيف عبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ ” منتنة “؟!! أى أنها تفسد المجتمع كلها بنتنها .

وأكد أن للعنصرية القبلية آثاراً جسيمة وعواقب وخيمة على وحدة الوطن والأمة ؛ ولا يخفى علينا ما يحدث في واقعنا المعاصر من الاعتداء وإزهاق الأرواح وتخريب الديار بسبب العصبية والقبلية والثأر بين العائلات والقبائل ؛ وهؤلاء ينتصرون لعصبيتهم وقبليتهم لا لنصرة الدين أو الدولة؛ وهذه هي الجاهلية العمياء كما جاء في الحديث ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، ثُمَّ مَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ، وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ، فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لَا يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي بِذِي عَهْدِهَا، فَلَيْسَ مِنِّي» ( مسلم ) “قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ يُقَاتِلُ بِغَيْرِ بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ تَعَصُّبًا كَقِتَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا يَعْرِفُ الْمُحِقَّ مِنَ الْمُبْطِلِ، وَإِنَّمَا يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ لَا لِنُصْرَةِ الدِّينِ، وَالْعَصَبِيَّةُ إِعَانَةُ قَوْمِهِ عَلَى الظُّلْمِ.”( شرح النووي).

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »